لم يفقد قائد الأوركسترا الفيلهارمونية الممانعة في أوديتوريوم مجلس النواب يوماً روح النكتة، مهما عبست الأيام في وجهه وساءت الحال في البلد، كما لم تنل السنون السبع والثمانون من لياقته الجسدية والذهنية. وما يمكن ملاحظته أن نكات صاحب الدولة باتت ثقيلة على أسماع محبّيه وصارت بداهته تسبق إعمال الفكر في أي مسألة.
تسرّع كثيراً كثيراً عندما قال «أنا لا أشرع à la carte» في موقف عنفواني وكأنه في مباراة زجلية في مواجهة خصمه المنبري أسعد سعيد، وهو لا يفعل سوى ذلك. وما استعمال دولته الضمير المنفصل «أنا» سوى رجع صدى لعبارة لويس الرابع عشر «أنا الدولة والدولة أنا». منعه التواضع من قول «أنا المجلس والمجلس أنا» وليس لأي كان أن يعلّمه واجباته. واجبه يعرفه جيداً: أن يمسك واجباً مع المرشد الأعلى ويلتزم بقواعد اشتباكاته، فهذا الأمر، يعلو فوق القوانين الوضعية وفوق الدستور يا نوّاب آخر زمن!
قبل التشريع وفي سنوات التألق خاض حروباً داخلية وحرب المخيمات أنموذج فريد. وقام كرئيس حركة محرومين بما قامت به كل الميليشيات العاملة على الأرض اللبنانية.
وفي عهوده الطويلة الأجل كرئيس للبرلمان في عهد الأسدين وخلفائهما، ما كان يوماً التشريع الأساسي إلّا à la carte سواء أأعدّ القائمة الشيف غازي كنعان بالتعاون مع طبّاخين محليين، أم طلبها خلفه رستم غزالة. الإثنان قضيا نحبهما والياس بك الفرزلي شاهد حي على تلك المرحلة الذهبية.
ماذا يسمّى التعديل الدستوري الذي سمح بانتخاب قائد الجيش العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية وهو بعد في الخدمة؟
ألم يكن يومها التشريع à la carte؟ وقوانين الانتخاب؟ وتعديلات الطائف؟... إلخ
وهو القائل:
«أنا لا أشرّع à la carte ولا بحسب مزاجهم. ساعة يريدون، هم مع التشريع، وساعة لا يريدون، يقاطعون المجلس. أعرف ما عليّ فعله ولا أحد يمليه عليّ. لا موعد الجلسة ولا جدول أعمالها».
حسناً، لو تقدّمت كتلة الوفاء للمقاومة الإسلامية باقتراح قانون؛ هو صورة طبق الأصل عن القانون الذي تقدّمت به كتلة «الجمهورية القوية»، ساعتئذ أرِ الناس إن كنت ستمشي دولة الرئيس بالإملاء وبتحديد موعد الجلسة وجدول أعمالها وإن كنت ستُشرّع أو لا.
يكفي اتصال. لا حاجة لمشروع قانون سواء أجاء معجّلاً أم مكرّراً.
*المصدر: نداء الوطن